الجيش المصري ..
لا اعرف كيف افسر استمرار العمليات العسكرية في سيناء طوال الفترة السابقة ، فمن حيث المنطق يعتبر الجيش المصري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط ، والأكثر مهنية ، وخبرة قتالية ، وهو الجيش الأكثر خوضاً للحروب ، ويعتبر ايضاً من أفضل الجيوش تسليحاً ليس في منطقة الشرق الأوسط بل في العالم ، ويصنف في المرتبة الثانية عشر عالمياً .
لكن كل هذه الإمكانيات التي يملكها الجيش المصري لم تستطع أن تفرض الاستقرار في سيناء على مدى الثمان سنوات الماضية على اقل تقدير ، بل نلاحظ أن الهجمات على الجيش المصري تزداد ، وتحمل طابعاً نوعياً ، وتحقق اختراقات أمنية لم تكن لتحدث في السابق ، رغم أن الكثافة الأمنية في السابق كانت أقل من الكثافة الموجودة في السنوات الأخيرة .
ويمكننا أن نضع بعض الاحتمالات في هذا الجانب ، ونقر بعض الحقائق التي لا يتطرق إليها الكثيرون في قضية سيناء ، أن هذه الجماعات تتلقى دعماً مادياً ولوجستياً ، بحيث تكون على علم بنقاط التمركز ، ونقاط التفتيش ، متى تبدأ ومتى تنتهي ، وايضاً تتلقى المعلومات عن الهجمات التي ينفذها الجيش المصري ، على تلك الجماعات ، بحيث لا يتمكن الجيش المصري من تحقيق نصر كامل يحقق الأستقرار .
لو وضعنا كل الاحتمالات من وجود جهات خارجية تدعم تلك الجماعات بالمال والسلاح ، وتوفر لها الدعم اللوجستي ، لن نستطيع أن تخلق واقع مشابه للواقع في سيناء في الوقت الحاضر ولا حتى في الماضي القريب ، ولا يمكن أن تستطيع جهة خارجية أن توفر الدعم طوال تلك الفترة دون أن تكتشف .
علينا أن نحدد المستفيد من استمرار العمليات العسكرية في سيناء وهنا يمكننا وضع علامات استفهام إلى ما لا نهاية ، لكن من الطبيعي أن تكون هناك علامات استفهام بارزة .
من المستفيد ؟ هذا هو السؤال الأهم من وجهة نظري الذي يجب أن يسأل باستمرار حتى نجد الإجابة ، فلو قلنا إسرائيل ، فمن المستحيل أن تقبل إسرائيل بخلل امني على حدودها مع مصر ، ولو قلنا اطراف خارجية بعيدة عن مصر ، سنجد صعوبة في استمرار ذلك الدعم الذي يقدم لتلك الجماعات .
يوجد مستفيد أكبر في هذه القضية ، يتغاضى عنه الكثيرون رغم وضوحه ، وإن ذكروه يذكرونه في جزئية ويتركون جزئية اهم ، وهو القيادة العسكرية العليا في مصر ، القيادة الحاكمة ، ومن الطبيعي أن تستفيد تلك القيادة بإيهام العالم بأن هناك مشكلة إرهاب في سيناء ، وانها تحارب لإنقاذ المنطقة برمتها .
هناك تفسير اخر أشد وضوحاً ، واكثر عمقاً ، وهي إلهاء الجيش المصري المحترف قتالياً بنزاعات فرعية لا تمت لعقيدته القتالية المترسخة منذ القدم في الدفاع عن مصلحة الأمة العربية والإسلامية ، وكذلك الها الجيش المصري عن الانحراف الظاهر من القيادة العسكرية العليا المسيطرة على الحكم ، بحيث لا يستطيع عمل أي شيء لإزاحة تلك القيادة .
يدعم هذا التفسير بعض الملاحظات التي سجلها الكثير من الملاحظين ، وهي عدم وجود رتب عسكرية كبيرة وقيادات على مستوى الأزمة ، وأن أغلب الضحايا من المجندين ، وصف الضباط وبعض الرتب الصغيرة ، وإن كانت هناك رتبة بحجم معقول تم قتلها في الاشتباكات في سيناء ، تكون من الشخصيات التي تريد القيادة العسكرية العليا التخلص منها .
ويجدر أيضاً أن نسجل ملاحظة أخيرة ، أن ألهاء الجيش المصري يجري التخطيط له بعناية على أكثر من محور ، فالزج بالقيادات العسكرية في الحياة المدنية ، وفي مشاريع تجارية ، امر واضح لجعل القيادات العسكرية تلتفت للكسب المالي دون الاهتمام بالجانب العسكري الأكاديمي ، وضمان ولاء القيادات بعد ابعادها عن المجال العسكري بمنحها مزايا وظيفية ومالية مغرية ، والجانب الأخر الهاء القيادات المتوسطة والصغيرة في الجيش بنزاع لا يمكن السيطرة عليه على شكل حرب عصابات في سيناء .