الواقع والتطور .. ما ننكره وما نريده ..
كيف يعرفنا الواقع ، ونحن ننكره ونتجرد منه ، فواقعنا يتطلب أن نرتبط بأرضنا ، وعقيدتنا وأخلاقنا وقيمنا وعاداتنا التي لم يبقى منها إلا القليل ، فالكثير من العادات الرائعة التي كنا نرتبط بها ، تحولت لوسائل للتفاخر والتظاهر ، وبعضها أصبح مجرد ذكريات ، والآخر منها أصبح هوايات ، أو أقل من ذلك ، لتكون في صور الإنستغرام والسناب شات .
في الواقع ارتبطت عاداتنا ارتباطاً وثيقاً ، أو بالأحرى استنبطت من الحياة والدين على وجه الخصوص ، مثل احترام الكبير ، وعدم النظر للمحارم وستر المرأة ، وغيرها من الأمور التي لها بقية ، لكنها رغم هدم اركانها واهتزازها بسبب انفتاح الحياة لا تزال موجودة وتسير نحو الزوال .
عندما قرأت في تاريخ أوربا في عصر النهضة ، وجدت أمور متشابهة مع واقعنا الحالي فما جلبته الحضارة لهم ، في ذلك الحين ، ونعاني نحن منه الآن ، بصورة متسارعة أكثر ، ربما بسبب وسائل الاتصال الحديثة وسهولة الحياة بالمقارنة مع ذلك العصر ، وكثرة تنقلنا للسياحة بين دول العالم ، وكثرة الوافدين من مجتمعات مختلفة للعمل لدينا أو معنا .
لا أنظر للتطور أنه شيء مقيت ، أو شيء سيء ، بالعكس يعجبني أن نتطور وننهض ، ونخوض غمار المستقبل مع الدول المتقدمة ، لكن كما يحتاج الأنسان أن يتعلم ويكتسب مهارات التطور ليصنع المستقبل ، يجب عليه أيضاً أن يعرف أن يستخدمها في أي اتجاه ، وكما يجب علينا أن ننقل عن الآخرين ثقافتهم ، علينا أن نبرز ثقافتنا وتقاليدنا ، ليراها العالم ويعرفها بمنظورنا نحن ، لا بمنظور من يفسرها من الرحالة والمستشرقين ، فيتهمنا بسببها ويشوهنا .
أن نقل التطور هو في الأساس نقل معدات وآليات ومصانع ، ووسائل تسهل الحياة وتيسرها ، وتمكن الدول من تطوير هياكلها وأليات العمل بها فتأخذ ما يخدم مجتمعها وهذا ما يحصل بالفعل ، لكن الجانب المظلم في المسألة ، لا يتعلق بنقل العلوم والمعارف ، بل أصبح يتعلق بتغيير نمط وأسلوب حياة الأفراد وسلوكهم والقيود المجتمعية أصبحت ضعيفة مع وجود الانترنت ، وأتساع أفاق التواصل ، فأصبحت ثقافة الأطفال مثلاً تتجاوز حدود أعمارهم ، لكنها للأسف ثقافة سطحية .
لنأخذ التطور ونعيشه ، وليأثر فينا لكن ليس باستسلام تام منا ، بل بوعي ، لنوجه التطور العلمي والثقافي فيما يخدمنا ويساعدنا ، وينقلنا إلى الأعلى كأمة واعية مدركة ، مع اهمية أن يرتب التطور بالثقافة التي يعيشها مجتمعنا ، ولا نترك له المجال أن يلغينا أو ينسفنا ، لنكون نسخ للأخرين دون هوية .