لنتجاوز تلك الاوقات التي عايشناها في الفترة الاخيرة من الشحن الاعلامي لمتابعة قضية جمال خاشقجي ، وننظر مجددا لواقعنا المر ، الذي لا تشكل فيه تلك القضية سوى نقطة سوداء جديدة في واقع اسود كلما حاولنا زرع نقطة بيضاء فيه خلق لنا الاف النقاط السوداء التي تحاصرها .
اتساءل كم موضوع اختفى خلف قضية جمال خاشقجي ، وكم عمل مرر دون ان يلتفت له احد خلال اسبوعين من التغطية المكثفة التي عايشناها بكل احداثها باهتمام غيب عقولنا ، اتساءل عن اطفال اليمن ، واطفال غزة ، واطفال سوريا ، واطفال ليبيا ، الذين مسحوا من ذاكرة العالم خلال تلك الفترة .
اتساءل عن كمية القنابل التي ألقية في مناطق النزاع ، على مدنيين . وعن المدارس التي تعطلت عن العمل ، وعن الجوع والتشرد واللجوء ، وعن الذل والاهانة ، واشياء اخرى كثيرة اصبحنا نتعمد تجاهلها ، ونبحث عن سبب يساعدنا في نسيانها ، حتى لو كان هذا السبب مؤلما ، لكنه بلا شك اقل ايلاما من واقعنا العربي الذي نعيشه .
ستغيب عقولنا وراء قضية اخرى بعد فترة ، وسنغيب عن الواقع في امور تافهة في التكنولوجيا ، والموضة ، والاناقة ، والفخامة ، وسنستمع لآخر اصدارات الاغاني ونشاهد اخر الافلام ، وسننتظر بشغف الحلقات الجديدة من المسلسل الذي نتابعه ، وكل هذا بلا وعي ، وبلا شعور يربطنا مع محيطنا ، ويعيدنا الى انتمائنا الاصيل ، الذي رضينا ان نجعل التفاهات اهم منه .
غابت تلك القضايا التي كانت تهز مشاعرنا ، وغابت تلك الدموع التي كانت تعبر عن صدق نوايانا ، وانتهى صوت الحقيقة خلف الاف الاسوار التي بنيناها بيننا وبين مرارة الواقع .