جمال خاشقجي ، من السلطة الى الدبلوماسية ، الى الصحافة ، الا الهروب ، الى الموت ، ولن تجد شخص تنقل في كل هذه المراكز بشكل مميز اكثر من جمال خاشقجي ، ولن تجد كاتب مقال عربي استطاع ان يكون علاقات مع كل الشرائح الصحفية في العالم اكثر منه ، فعلاقاته الاعلامية والصحفية متشعبة لدرجة انه يقابل كل معارض وكل مؤيد ويقابل الاسلاميين ، والملحدين ويعرف كيف يتعامل معهم ، ويتعايش معهم ، ويعرف كيف يتحاور مع الجميع بمنطق يجعلك تحترمه وتحترم رأيه ، حتى لو كان يخالفك .
كاتب بهذه القيمة ، موته يعني خسارة الكثير ، ليس للدولة التي ينتمي اليها ، ولا للصحيفة التي يكتب فيها ، ولا للقناة التي يظهر عليها ، بك يعني خسارة لفكر متطور ، ينقله شخص مميز بأسلوب مقنع لكل من يشاهده ، فكر كان من المفروض ان يتطور ليحتوي الجميع في وطن واحد ، وامة واحدة .
ليس جمال خاشقجي سعوديا فقط ، ولا خليجيا ولا عربيا ، ولا امريكيا ، جمال عبارة عن مجموعة انتماءات متشابكة ، تصب في النهاية في المصلحة العظمى للإنسانية ، والبشر ، وحلقة وصل بين قلب الاسلام ، والفكر المتنور ، جمال هو الاسلوب الذي كان من المفروض ان يكون عليه اغلب الكتاب العرب .
لا اشك ان اغلبنا اختلف مع جمال خاشقجي في مسالة او اثنتين على الاقل ، لكنك لو فكرت بعقلك ، رغم اختلافك معه لا يمكنك ان تضمر له شر او كره ، لأنه يتعامل بسلاسة ومرونة ، مع اي نقد يتعرض له فلم نسمع ان جمال تهجم على كاتب انتقده ، او تعمد تشويه احد ، بل كان الاختلاف هو مصدر الهام له ، فاستطاع ان يعرف من الذين يخالفونه ، كيف ينتج افكار مشتركة يكون لها ثمار على الواقع وصدى لدى متابعيه .
وداعا جمال خاشقجي ، اودعك كجسد ، لكني متأكد ان الكثير من افكارك سيعيش لفترة طويلة ، وان ما وضعت اساسه من نقد بناء سيبنى عليه مستقبل افضل ، وداعا جمال رغم اني لست ممن يتبنى افكارك ، لكن اعترف اني خسرت بفقدك صوت يعبر عن العقل في عالم يسوده الجنون .