لم تكن تلك الامور لتحدث لولا مجيئ ترامب للبيت الابيض بحديثه الشعبوي الذي استفز مشاعر الامريكيين العنصرية واحياها بشكل يمكن ان يسبب ثورة في الولايات المتحدة رغم قوة مؤسساتها الفدرالية ، فالرجل لا يلتفت لاي اعتبارات سياسية ، ولا هيكلية ، ولا اخلاقية في ادارته ، بل يستعمل اسلوب واحد فقط ، اقناع الأمريكيين انه يجلب لهم الاموال ، ومن من ؟ من الخليج والسعودية العربية بالذات ، لذا يكرر هذا الكلام كل مرة على مسامع مؤيديه ، بأساليب مختلفة .
يعيد ويكرر السيد / ترامب انه يطلب الاموال وانه يهدد الخليج وان الخليج لولا حمايته يسقط في اسبوع واحد ، ويجب ان نسأل السيد / ترامب اولا ، من الذي خلق كيان لتلك الدول التي ستسقط خلال اسبوع ان لم تحميها الولايات المتحدة ؟ يجب على ترامب الاجابة عن هذا السؤال قبل ان يرينا كيف يتفنن في ابتزاز دول الخليج العربي في كل لقاء جماهيري ، ويجب عليه ايضا ان يقول ، لماذا حمت الولايات المتحدة تلك الدول في الفترة السابقة ؟ رغم انها لا تدفع للولايات المتحدة ؟ كما يقول هو بنفسه .
السيد / ترامب ، هو سيد البيت الابيض ، الذي يحكم اكبر امبراطورية في العصر الحديث ، الامبراطورية التي تدعي دعم الديمقراطية ، وتسعى لنشر الثقافة الامريكية عبر العالم ، وتزرع افكارها ومبادئها في كل دولة تضع فيها قدمها ، يتحدث للعالم بأسلوب شعبوي ، عنصري ، متنمر ، ينسف كل الدعاية الامريكية ، وسينسف كل الديمقراطية الامريكية ان استمر في البيت الابيض ، بل ان ترامب اخرج للعالم نمط تعامل الادارات الامريكية الغير معلن للدول التي تحميها .
كلنا نعرف ان اغلب الدول في الشرق الاوسط تخضع للولايات المتحدة ، فمنها من يقدم المال ومنها من يقدم خدمات لوجستية ، ومنها من يقدم خدمات تجارية ، ودول الخليج على وجه الخصوص تقدم كل وسائل الدعم للولايات المتحدة ، المالية واللوجستية والتجارية ، وتنفذ رغباتها دون نقاش ، وهذا جلي في حرب الولايات المتحدة المعلنة على الارهاب ، بعد 11/9 ، وكل شيء تقدمه دول الخليج لا شك انه يطلب منها ، وهي تنفذ ، وتتمتع بعد ذلك بالحماية الامريكية ، لكن الصورة الدبلوماسية المنقولة للجمهور تحافظ على هيبة تلك الدول ، وسمعة رؤساءها لدى شعوبهم .
اما الان فلا مجال ان يضن اي مواطن في الخليج وبالأخص في العربية السعودية ان الولايات المتحدة الامريكية ممثلة في رئيسها ، لا تتعمد اهانة الحكام في الخليج ، ورغم ذلك هم يذعنون لرغباتها ، ولتهور قياداتها السياسية دون ادنى مستوى من الرفض او المقاومة الكلامية على اقل تقدير .
كيف تحترم الشعوب رؤساءها ان لم تجد لهم صورة مشرفة في وسائل الاعلام ، وان لم تجد ان سياسة دولهم تتمتع بقدر من الاحترام هي الاخرى ، والواقع الان يقول لنا ان ذلك الاحترام الذي تكنونه لحكامكم زائف ، وهم لا يستحقونه ، وسيقولون لنا انظروا الى ترامب كيف يتحدث مع حكامكم ويهينهم ، دون ان يردوا عليه ولو بكلمة .
اود ان اسأل نفسي واسأل من يقرا هذه الكلمات ، هل ترامب يدعونا للتمرد على حكامنا ؟ ام يدعونا ان نصبح مثلهم نسمع اهانتنا ونصمت ؟ ام ان ترامب حاكم غبي ؟ مهما غيرنا في تأويل ما قاله ترامب لن نصل لمعنى جيد لكلماته ، ولا معني نزيه ، فكلامه اهانة واضحة لشخص الملك السعودي ، وهنا اريد توضيح مسألة مهمة ، عندما يخاطب ترامب جمهوره ويذكر ملك السعودية ، فهو لا يعنيه وحده ، بل يعني كل حكام المنطقة ، فالناخب الامريكي لا يعرف باقي دول الخليج بالقدر الكافي الذي يعرف به السعودية ، لذا يكرر ترامب الحديث عن السعودية وهو يعني الخليج بأكمله .