ليست تركيا وحدها تواجه امريكا ، بل ما تتعرض له تركيا الان هو اسلوب عقاب سيتبع مع اي دولة تعارض سياسات الولايات المتحدة الامريكية ، فإما ان تكون الدول في صف الولايات المتحدة وتنفذ مخططاتها في السر او العلن ، او تتعرض للعقاب الذي يهين كرامتها ان لم تستطع الولايات المتحدة اسقاط نظام الحكم في تلك الدولة ، وهذا ما فعلته مع تركيا بالحرف الواحد ، حاولت في البداية ايجاد مرشحين للحكومة بدل اردوغان وفشلت ثم حاولت قلب نظام الحكم ، وفشلت ، والان جاء دور العقاب الجماعي للدولة عن طريق العملة الوطنية.
هناك دول تملك من الوعي ما يجعلها تعرف اليات العقاب لدى الادارة الامريكية ، وتعرف ان نفس الاليات ستتخذ ضدها في حال عارضت سياسات البيت الابيض ، وهنا يجدر بنا ان نضع اوروبا في هذا الجانب ، اوروبا التي اصبح ترامب يتعامل معها كباقي الحلفاء الثانويين ويضغط عليها بأساليب شتى ويخالف سياساتها في اغلب المجالات ، الدفاعية والاقتصادية والبيئية ايضا ، انتبهت اوروبا ان ما يحدث مع تركيا اسلوب عقاب سيتخذ ضد اي دولة فيها ، في حال عارضة المزاج الامريكي في هذه المرحلة التي يمثلها ترامب بعنجهينة وتعاليه على حلفائه
وقفت الدول الاوربية الكبرى في صف تركيا ، وهذا بحد ذاته موقف في صالح تركيا ، لكن تلك الدول تعارض بشدة ان تنظم تركيا للاتحاد الاوربي ، لكنها تعرف اهمية وجود تركيا كحليف لا بد من بقائه ، رغم الاختلافات الكثيرة ، فتركيا هي جدار الحماية الاول لأوروبا ، وهي الفلتر ، الذي تمر من خلالها كل المشاكل الموجودة في الشرق الاوسط ، وتجلت هذه التنسيقات بين تركيا والاتحاد الاوربي في قضية اللاجئين ، ومسائل أمنية اخرى منها ما كشف ومنها ما لم يكشف بعد ، كذلك يجب ان لا نهمل ان اوروبا ممثلة في شركاتها تضررت من العقوبات الامريكية التي فرضت على ايران ، ومن المحتمل ان تتعرض هي وشركاتها لخسارة اخر مماثلة او اكبر في تركيا .
لكن على تركيا ان لا تأمن الجانب الاوربي وان تأخذ كل وسائل الحذر ، فمن واقع التاريخ الحديث ، نجدان اوروبا في النهاية ترجع لتايد القرارات الامريكية ولو بشكل مبطن ، عبر مؤسسات الدولة وان اختلف كلام السياسيين لكنها لا تخرج في النهاية عن الركب الامريكي ، وان تصرف أوروبا في الوقت الراهن يجب ان يستثمر جيدا من قبل تركيا ، في استقطاب اكبر قدر للمؤيدين لموقفها السياسي ، ثم تبحث عن البدائل المناسبة للاستمرار في المواجهة .
هذه الازمة تقع بين اطراف يربطهم حلف الناتو ، وهو حلف استراتيجي ، حلف مواجهة تعد تركيا احد خطوطه الامامية المتقدمة ، والصراع له اوجه كثيرة مع تركيا بالذات ، لذلك تعتبر هذه الازمة ، شرخ في جدار حلف الناتو ، فإذا كانت امريكا لا تريد الحلف مع تركيا ان يستمر، ستستمر هي في تصعيد المواقف ضدها ، واذا كانت فقط تريد ان تأدب تركيا فسوف تعدل في قراراتها في المستقبل القريب مع بعض التنازل من قبل الاتراك.